تأملات فى خطبة المخلوق العجيب ((البحر))
الخطيب هو أمير المدرى وموضوع الخطبة هو البحر وقد ابتدأ الخطبة بذكر كون البحر آية من آيات الله الدالة على قدرته وأن البحار تمثل ثلاثة أرباع الأرض حيث قال :
"أيها المسلمون عباد الله سنقف اليوم وإياكم مع مخلوق عجيب مخلوق عظيم
جليل خلقة الله جل وعلا عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ إنهُ البحر بأمواجه العظيمة، البحر بأتساعه الهائل
البحر آية من آيات الله الدالة على عظمته وجبروته .
ففي الجنة رحمته وفي النار سطوته وعذابه وفي البحر عظمته
ان ماء هذا المخلوق العجيب يملأ ثلاث أرباع سطح الأرض"
وهذه المعلومة مستقاة للأسف الشديد من كتب الغرب كباقى ما نعرفه من المعارف وهى معلومة (71% ماء 29% يابس) ومثلها الهواء (79% نيتروجين 21 %أكسجين)...وهى معلومات لا يمكن التأكد منها لأن الإنسان لا يقدر على قياس كل ما فى هذه المسافة بين الأرض والسماء التى تسمى الجو وتجربة العينة القريبة من الأرض قد لا تنطبق على ما فى وسط أو أعلى الجو
وأما مساحة اليابس والماء فهى أمور لا يمكن التأكد منها من خلال الخرائط المرسومة حاليا لأن الخرائط تعطينا انطباعا كاذبا فالغرب فيها يكبر مساحات كل من روسيا وكندا والولايات المتحدة عن مساحة أفريقيا فى الخريطة العالمية مع أن الثلاثة فى المساحة قدرها تقريبا ومع هذا تظهر كل دولة من الدول الثلاث أكبر منها فى خرائط العالم ولينظر إليها من يريد التأكد من ذلك وأيضا تتعمد دول الغرب حتى مؤسسة جوجل اخفاء عشرات المناطق والجزر من الخريطة العالمية مع أن وجودها ثابت فى كتب الجغرافيين فى القرون السابقة
ونعود للخطبة حيث يذكرنا الخطيب بوجود نوعين من الموج فى البحر موج سطحى نراه بأعيننا وموج داخلى فى باطن البحر وأن البحر عبارة عن ظلام فى أعماقه حيث يقول:
"ولولا أن الله جل وعلى يمسك البحر بقدرته ومشيئته لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها ويجعل عاليها سافلها.
في البحار امواج عاتية وأعماق مظلمة حالكة الظلام وعلى عمق 60متراً عن سطح البحر يصبح كل شئ مظلماً في البحار ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يدهُ لم يكد يراها وصدق الله:
((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ))النور40
فلا نور إلا نور الإيمان، لا نور إلا نور الاعمال الصالحات ."
وحكاية الستين متر الله أعلم بصحتها من بطلانها لأن ضوء الشمس يظهر على أعماق متفاوتة فى كل منطقة وكذلك ضوء القمر والآية لا تتحدث عن ظلمات البحر وحدها وإنما تتحدث عن ظلمة السحاب عندما يسود الجو بسببه وتختفى الشمس أو القمر فيكون هناك ظلمات ظلمة السحاب وظلمة البحر موج فوق موج بحيث أن الإنسان يكاد لا يرى يده وهو على اليابس أو على السفينة أو فى داخل البحر
ومن ثم عندما لا يكون هناك سحاب مظلم أو أمواج فإن الرؤية فى البحر وعلى اليابس تكون ممكنة بدليل أن نرى الأسماك وهى داخل البحر إذا كان الجو مشمسا وبدليل أن صيادى اللؤلؤ القدامى كان ينزلون أعماق البحار وليس معهم مصابيح لاصطياد اللؤلؤ
وتناول تسبيح البحر وإرادته إهلاك العصاة حيث قال :
"البحر عباد الله خلق من خلق الله يعبد الله يوحد الله يسبح لله ومن عجائبه أنهُ يرى ابن ادم يعصي لله تعالى مع حلمه تعالى عليه فيتألم لذلك فلولا أن الله منعهُ اغراقهم لأغرقهم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ففي مسند الأمام أحمد فيما يروي عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن يطفح على العصاة من بني أدم فيكفهُ الله ."
والرواية لا تصح لأن غضب المخلوقات على الناس يكون عندما يقولون ما يغضب الله ولكن الله مانعها من الغضب إلا عندما يأمرها هو كما قال سبحانه:
"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا"
وتناول الخطيب كون البحر جندى من جنود الله حيث قال :
"فسبحان الله البحر يتمعر ويغضب عندما تنتهك محارم الله وكم من بشر لا يحركون ساكناً والفواحش تنتشر والمنكرات تسري ولا ينكرون منكرا ولا يأمرون بالمعروف
الله أكبر البحر جندي من جنود الله يهلك الله به من يشاء من أعدائه وينجي به من يشاء من عبادة المؤمنون
البحر تجدهُ جندي من جنود الله بارزاً في قصة موسى (ص) عندما خافت علية أمه من بطش فرعون
فأوحى الله إليها وحي الهام إذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني فأوحى الله إليها أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل.
بالله يا للقدرة يا أم موسى ارضعيه فإذا خفت عليه وهو في حضنك وهو في رعايتك اذا خفت عليه وفي فمه ثديك وهو تحت عينيك فالقيه في اليم
الله اكبر طفلاً في الأشهر الأولى من حياته يلقى في اليم في تابوت صغير لا من يحميه لا من يرعاه
لكن الله بعنايته وحفظة يحرسهُ ويرعاه ،،،
فألزم يديكَ بحبل الله معتصماً ****** فانهُ الركن ان خانتكَ أركان
ولا تخافي ولا تحزني انه هنا في اليم
في البحر العظيم بأمواجه في رعاية اليد التي لا خوف معها اليد التي تجعل النار برداً وسلاماً وتجعل البحر ملجأ وملاذا،،،"
إذا البحر كما يكون نعمة كما فى حالة موسى(ص) يكون نقمة كما فى حالة قوم نوح(ص) وحالة فرعون وقومه وهو قول الخطيب حيث قال :
"اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية ولا طغاة الأرض جميعا ان يدنو من حماها الأمن العزيز
وإذا العناية لاحظتكَ عيونها ****** نم فالمخاوف كلهّن أمان
ان القدرة التي ترعاه تدبر أمره وتكيد به لفرعون وآله فتجعلهم يلتقطونه وتجعلهم يحبونه ويبحثون له عن مرضعة ويحرم عليه المراضع حتى تبصره أخته من بعيد فتعرفه فتقول هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ثم يعود الطفل الغائب إلى امه الملهوفة معافى في بدنه مرموقا في مكانته يحميه فرعون وترعاه امرأته وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن بحفظ الله
((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))القصص13
واستمرت المعركة بين موسى ولي الله وفرعون عدو الله بين الحق والباطل إلى حين
خروج موسى ومعهُ بني إسرائيِل فتبعهُ فرعون وجنوده فإذا البحر من أمام موسى وقومه وفرعون وجنوده من خلفهم دلائل الحال كلها أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم
فإذا بنو إسرائيل يقولون يا موسى إنا لمدركون ضعفت ثقتهم بالله ونسوا ان الله هو الحافظ والمعين لكن موسى لا يشك لحظة واحدة وملء قلبه الثقة بربه واليقين بعونه والتأكد من النجاة
فقال موسى بلسان الواثق بنصر الله
((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))الشعراء62
فجاء الفرج وأزيل الكرب هكذا مهما زاد الظلم ومهما بلغ الطغيان
كلا لن تكون مدركين كلا لن نكون ضائعين كلا إن معي ربي سيهدين.
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر بعصا يضرب البحر العظيم، بعصا يضرب المخلوق العجيب نعم بعصا وقعت المعجزة فالعصا سبب والله هو رب الأسباب فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم. وقعت المعجزة ووقف الماء على جانب الطريق كالطود العظيم ووقف فرعون مع جنوده مشدوها بذلك المشهد الخارق وذلك الحدث العجيب وأطال الوقوف وهو يرى موسى وقومه يعبرون البحر في طريق مكشوف وتم تدبير الله فخرج بنو إسرائيل من الشاطئ الأخر بينما كان فرعون وجنوده بين فرقي الماء أجمعين وقد قربهم الله لمصيرهم المحتوم ((إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ))لشعراء8 فالبحر المغرق أصبح أمانا وسلاما ويبسا .
فدخل موسى وقومه بأهلهم وعتادهم لا تبتل لهم قدما بإذن الله تعالى.
قال ابن عباس صار البحر أثنا عشر طريقا لكل سبط طريق فاقترب فرعون بجنوده وتمادوا ودخلوا أجمعين ودخل آخر جندي من جنود فرعون وخرج آخر رجل من قوم موسى فأمر الله البحر أن يغرق فرعون وجنوده ((وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ))الشعراء65
نعم إنه البحر الذي كان لموسى الطفل الرضيع أمانا ورعاية وحفظا هو الآن يغرق فرعون وقومه بإذن الله تعالى "
ويقص الخطيب علينا قصة يونس(ص) مع البحر حيث ابتلعه الحوت ونزل به فى أعماق البحر حيث الظلمات نتيجة غضبه وظنه أن الله لا يقدر عليه حيث يقول:
"عباد الله :
هذا المخلوق العجيب نجده مع نبي الله يونس(ص) الذي كان هو وقومه في بقعه قريبه من البحر وقد ضاق صدرا بتكذيب قومه فانذرهم بعذاب قريب وغادرهم مغضبا آبقا فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة وفي وسط الأمواج والرياح وكانت هذه علامة عند القوم بان من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة وانه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق فاقترعوا على من يلقونه من السفينة فخرج سهم يونس وكان معروفا بصلاحه ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فالقوه في البحر أو القى بنفسه إليه فأرسل الله له حوتا فابتلعه وأمره أن لا يكسر له عظما ولا يخمش له لحما وطاف به البحار وغاص به إلى الأعماق وبقي في بطن الحوت أياما يسمع الحيتان وتسبيحها فسبح الله واستغفره
((لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))الأنبياء87
فسمع الله دعاءه واستجاب له ونجاه من الغم . فلفظه الحوت وخرج من بطنه سقيما عاريا على الشاطئ((وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ))الصافات146
وهو القرع يظله بورقه العريض ويمنع عنه الذباب الذي يقال انه لا يقرب هذه الشجرة وكان هذا من تدبير الله ولطفه فلما استكمل عافيته ردع الله الى قومه الذين تركهم مغاضبا فآمنوا واستغفروا وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبين فآمنوا فمتعناهم الى حين وكانوا مائة ألف أو يزيدون"
إذا البحر فى كل القصص القرآنية عبد من عباد الله يطيع الله فإذا أمره الله أن يكون نعمة لعبد كان وإذا أمره أن يكون نقمة على عبد كان فهو جندى مأمور لا يعمل من نفسه كما يقول المنكرون لوجود الله فيقولون على ما يصنعه من مؤذيات أنه غضب الطبيعة بدلا من أن يقولوا غضب الله على عباده العصاة فى الليل والنهار
وتناول آية أخرى عن تحول ماء البحر لأقلام لكتابة كلمات وهى إرادات الله حيث قال :
"يقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))لقمان27
وقال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ))الكهف109
الله أكبر ما أعظم الله لو أن جميع ما في الأرض من شجر تحولت أقلام وجميع ما في الأرض من بحار تحولت إلى مداد وهذا البحر يمده سبعة أبحر وجلس الكتّاب يكتبون ويسجلون كلمات الله المتجددة الدالة على عظمته على علمه وقدرته ورحمته الدالة على مشيئته .... فماذا؟ لقد نفدت الأقلام ونفد المداد نفدت الأشجار ونفدت البحار الأقلام وانتهت وكلمات الله باقية لا تنفد ولا تأت لها نهاية لان علم الله لايحد ولان إرادته لا تكف ولان مشيئته سبحانه ماضية ليس لها حدود ولا قيود . وتتوارى الأشجار والبحار وتنزوي الأحياء والأشياء وتتوارى الأشكال والأحوال ويقف القلب البشري خاشعا أمام جلال الخالق الباقي الذي لا يتحول ولا يتبدل ولا يغيب . اسأل الله ان يغفر لنا ذنوبنا وان يستر عيوبنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم"
وتناول جرى السفن فى البحار وقدرة الله على ايقافها وتسييرها حيث قال :
"عباد الله انظروا وتأملوا إلى تلك السفن التي تبحر في ظهر هذا المخلوق العجيب من يسيرها من يقودها إنه الله جل وعلا القائل:
(( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ))الشورى33
السفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله هذا البحر من أنشاه ؟ من من البشر يدعي هذا الادعاء؟ هذه الريح من سيرها وسخرها الا الله
والسفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله . آية حاضرة مشهودة . آية تقوم على آيات كلها من صنع الله دون جدال . هذا البحر من أنشأه ؟ مَن مِن البشر أو غيرهم يدعي هذا الادعاء ؟ ومن أودعه خصائصه من كثافة وعمق وسعة حتى يحمل السفن الضخام ؟ وهذه السفن من أنشأ مادتها وأودعها خصائصها فجعلها تطفو على وجه الماء ؟ وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن التي كانت معلومة وقتها للمخاطبين وغير الريح من القوى التي سخرت للإنسان في هذا الزمان من بخار أو ذرة أو ما يشاء الله بعد الآن من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام ؟ . .
إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره . .
وإنها لتركد أحياناً فتهمد هذه الجواري وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة !
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . .
في إجرائهن وفي ركودهن على السواء آيات لكل صبار شكور . والصبر والشكر كثيراً ما يقترنان في القرآن . الصبر على الابتلاء والشكر على النعماء ؛ وهما قوام النفس المؤمنة في الضراء والسراء .
أو يوبقهن بما كسبوا . .
فيحطمهن أو يغرقهن بما كسب الناس من ذنب ومعصية ومخالفة عن الإيمان الذي تدين به الخلائق كلها ، فيما عدا بعض بني الإنسان !
ويعف عن كثير . . وكل رجفة في الفلك صغيراً كان أو كبيراً حتى عابرات المحيط الجبارة التي تبدو في بعض اللحظات كالريشة في مهب الريح في هذا البحر العظيم ولكن الانسان هو الانسان فما أن تنجلي المصيبة وتحس قدماه ثبات الارض من تحته حتى ينسى لحظات الشدة فينسى الله
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
……فلما وصلنا إلى الشاطئ نسيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
……وما سقطنا لان الحافظ الله"
وحكى الخطيب حكاية تدل على أن الخلق لا يقدرون على مواجهة غضب الله وأن لا منجى منه إلا هو حيث قال :
"قال رجل لأحد الصالحين أخبرني عن الله ؟ فقال ألم تركب البحر قال بلى ؟ قال هل حدث لك مرة أن حلت بكم عاصفة قال نعم ؟ قال:
وانقطعت الحيل عن الملاحين ووسائل النجاة قال نعم ؟
قال فهل خطر ببالك وظهر في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء قال نعم : قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شئ علما ))"
وقد فات الخطيب فى الخطبة قصص أخرى دالة على البحر كقصة اصحاب السبت وقصة سفينة المساكين فى قصة موسى(ص) والعبد الصالح(ص)
الخطيب هو أمير المدرى وموضوع الخطبة هو البحر وقد ابتدأ الخطبة بذكر كون البحر آية من آيات الله الدالة على قدرته وأن البحار تمثل ثلاثة أرباع الأرض حيث قال :
"أيها المسلمون عباد الله سنقف اليوم وإياكم مع مخلوق عجيب مخلوق عظيم
جليل خلقة الله جل وعلا عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ إنهُ البحر بأمواجه العظيمة، البحر بأتساعه الهائل
البحر آية من آيات الله الدالة على عظمته وجبروته .
ففي الجنة رحمته وفي النار سطوته وعذابه وفي البحر عظمته
ان ماء هذا المخلوق العجيب يملأ ثلاث أرباع سطح الأرض"
وهذه المعلومة مستقاة للأسف الشديد من كتب الغرب كباقى ما نعرفه من المعارف وهى معلومة (71% ماء 29% يابس) ومثلها الهواء (79% نيتروجين 21 %أكسجين)...وهى معلومات لا يمكن التأكد منها لأن الإنسان لا يقدر على قياس كل ما فى هذه المسافة بين الأرض والسماء التى تسمى الجو وتجربة العينة القريبة من الأرض قد لا تنطبق على ما فى وسط أو أعلى الجو
وأما مساحة اليابس والماء فهى أمور لا يمكن التأكد منها من خلال الخرائط المرسومة حاليا لأن الخرائط تعطينا انطباعا كاذبا فالغرب فيها يكبر مساحات كل من روسيا وكندا والولايات المتحدة عن مساحة أفريقيا فى الخريطة العالمية مع أن الثلاثة فى المساحة قدرها تقريبا ومع هذا تظهر كل دولة من الدول الثلاث أكبر منها فى خرائط العالم ولينظر إليها من يريد التأكد من ذلك وأيضا تتعمد دول الغرب حتى مؤسسة جوجل اخفاء عشرات المناطق والجزر من الخريطة العالمية مع أن وجودها ثابت فى كتب الجغرافيين فى القرون السابقة
ونعود للخطبة حيث يذكرنا الخطيب بوجود نوعين من الموج فى البحر موج سطحى نراه بأعيننا وموج داخلى فى باطن البحر وأن البحر عبارة عن ظلام فى أعماقه حيث يقول:
"ولولا أن الله جل وعلى يمسك البحر بقدرته ومشيئته لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها ويجعل عاليها سافلها.
في البحار امواج عاتية وأعماق مظلمة حالكة الظلام وعلى عمق 60متراً عن سطح البحر يصبح كل شئ مظلماً في البحار ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يدهُ لم يكد يراها وصدق الله:
((أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ))النور40
فلا نور إلا نور الإيمان، لا نور إلا نور الاعمال الصالحات ."
وحكاية الستين متر الله أعلم بصحتها من بطلانها لأن ضوء الشمس يظهر على أعماق متفاوتة فى كل منطقة وكذلك ضوء القمر والآية لا تتحدث عن ظلمات البحر وحدها وإنما تتحدث عن ظلمة السحاب عندما يسود الجو بسببه وتختفى الشمس أو القمر فيكون هناك ظلمات ظلمة السحاب وظلمة البحر موج فوق موج بحيث أن الإنسان يكاد لا يرى يده وهو على اليابس أو على السفينة أو فى داخل البحر
ومن ثم عندما لا يكون هناك سحاب مظلم أو أمواج فإن الرؤية فى البحر وعلى اليابس تكون ممكنة بدليل أن نرى الأسماك وهى داخل البحر إذا كان الجو مشمسا وبدليل أن صيادى اللؤلؤ القدامى كان ينزلون أعماق البحار وليس معهم مصابيح لاصطياد اللؤلؤ
وتناول تسبيح البحر وإرادته إهلاك العصاة حيث قال :
"البحر عباد الله خلق من خلق الله يعبد الله يوحد الله يسبح لله ومن عجائبه أنهُ يرى ابن ادم يعصي لله تعالى مع حلمه تعالى عليه فيتألم لذلك فلولا أن الله منعهُ اغراقهم لأغرقهم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ففي مسند الأمام أحمد فيما يروي عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن يطفح على العصاة من بني أدم فيكفهُ الله ."
والرواية لا تصح لأن غضب المخلوقات على الناس يكون عندما يقولون ما يغضب الله ولكن الله مانعها من الغضب إلا عندما يأمرها هو كما قال سبحانه:
"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا"
وتناول الخطيب كون البحر جندى من جنود الله حيث قال :
"فسبحان الله البحر يتمعر ويغضب عندما تنتهك محارم الله وكم من بشر لا يحركون ساكناً والفواحش تنتشر والمنكرات تسري ولا ينكرون منكرا ولا يأمرون بالمعروف
الله أكبر البحر جندي من جنود الله يهلك الله به من يشاء من أعدائه وينجي به من يشاء من عبادة المؤمنون
البحر تجدهُ جندي من جنود الله بارزاً في قصة موسى (ص) عندما خافت علية أمه من بطش فرعون
فأوحى الله إليها وحي الهام إذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني فأوحى الله إليها أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل.
بالله يا للقدرة يا أم موسى ارضعيه فإذا خفت عليه وهو في حضنك وهو في رعايتك اذا خفت عليه وفي فمه ثديك وهو تحت عينيك فالقيه في اليم
الله اكبر طفلاً في الأشهر الأولى من حياته يلقى في اليم في تابوت صغير لا من يحميه لا من يرعاه
لكن الله بعنايته وحفظة يحرسهُ ويرعاه ،،،
فألزم يديكَ بحبل الله معتصماً ****** فانهُ الركن ان خانتكَ أركان
ولا تخافي ولا تحزني انه هنا في اليم
في البحر العظيم بأمواجه في رعاية اليد التي لا خوف معها اليد التي تجعل النار برداً وسلاماً وتجعل البحر ملجأ وملاذا،،،"
إذا البحر كما يكون نعمة كما فى حالة موسى(ص) يكون نقمة كما فى حالة قوم نوح(ص) وحالة فرعون وقومه وهو قول الخطيب حيث قال :
"اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية ولا طغاة الأرض جميعا ان يدنو من حماها الأمن العزيز
وإذا العناية لاحظتكَ عيونها ****** نم فالمخاوف كلهّن أمان
ان القدرة التي ترعاه تدبر أمره وتكيد به لفرعون وآله فتجعلهم يلتقطونه وتجعلهم يحبونه ويبحثون له عن مرضعة ويحرم عليه المراضع حتى تبصره أخته من بعيد فتعرفه فتقول هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ثم يعود الطفل الغائب إلى امه الملهوفة معافى في بدنه مرموقا في مكانته يحميه فرعون وترعاه امرأته وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن بحفظ الله
((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))القصص13
واستمرت المعركة بين موسى ولي الله وفرعون عدو الله بين الحق والباطل إلى حين
خروج موسى ومعهُ بني إسرائيِل فتبعهُ فرعون وجنوده فإذا البحر من أمام موسى وقومه وفرعون وجنوده من خلفهم دلائل الحال كلها أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم
فإذا بنو إسرائيل يقولون يا موسى إنا لمدركون ضعفت ثقتهم بالله ونسوا ان الله هو الحافظ والمعين لكن موسى لا يشك لحظة واحدة وملء قلبه الثقة بربه واليقين بعونه والتأكد من النجاة
فقال موسى بلسان الواثق بنصر الله
((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))الشعراء62
فجاء الفرج وأزيل الكرب هكذا مهما زاد الظلم ومهما بلغ الطغيان
كلا لن تكون مدركين كلا لن نكون ضائعين كلا إن معي ربي سيهدين.
فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر بعصا يضرب البحر العظيم، بعصا يضرب المخلوق العجيب نعم بعصا وقعت المعجزة فالعصا سبب والله هو رب الأسباب فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم. وقعت المعجزة ووقف الماء على جانب الطريق كالطود العظيم ووقف فرعون مع جنوده مشدوها بذلك المشهد الخارق وذلك الحدث العجيب وأطال الوقوف وهو يرى موسى وقومه يعبرون البحر في طريق مكشوف وتم تدبير الله فخرج بنو إسرائيل من الشاطئ الأخر بينما كان فرعون وجنوده بين فرقي الماء أجمعين وقد قربهم الله لمصيرهم المحتوم ((إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ))لشعراء8 فالبحر المغرق أصبح أمانا وسلاما ويبسا .
فدخل موسى وقومه بأهلهم وعتادهم لا تبتل لهم قدما بإذن الله تعالى.
قال ابن عباس صار البحر أثنا عشر طريقا لكل سبط طريق فاقترب فرعون بجنوده وتمادوا ودخلوا أجمعين ودخل آخر جندي من جنود فرعون وخرج آخر رجل من قوم موسى فأمر الله البحر أن يغرق فرعون وجنوده ((وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ))الشعراء65
نعم إنه البحر الذي كان لموسى الطفل الرضيع أمانا ورعاية وحفظا هو الآن يغرق فرعون وقومه بإذن الله تعالى "
ويقص الخطيب علينا قصة يونس(ص) مع البحر حيث ابتلعه الحوت ونزل به فى أعماق البحر حيث الظلمات نتيجة غضبه وظنه أن الله لا يقدر عليه حيث يقول:
"عباد الله :
هذا المخلوق العجيب نجده مع نبي الله يونس(ص) الذي كان هو وقومه في بقعه قريبه من البحر وقد ضاق صدرا بتكذيب قومه فانذرهم بعذاب قريب وغادرهم مغضبا آبقا فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة وفي وسط الأمواج والرياح وكانت هذه علامة عند القوم بان من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة وانه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق فاقترعوا على من يلقونه من السفينة فخرج سهم يونس وكان معروفا بصلاحه ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فالقوه في البحر أو القى بنفسه إليه فأرسل الله له حوتا فابتلعه وأمره أن لا يكسر له عظما ولا يخمش له لحما وطاف به البحار وغاص به إلى الأعماق وبقي في بطن الحوت أياما يسمع الحيتان وتسبيحها فسبح الله واستغفره
((لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))الأنبياء87
فسمع الله دعاءه واستجاب له ونجاه من الغم . فلفظه الحوت وخرج من بطنه سقيما عاريا على الشاطئ((وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ))الصافات146
وهو القرع يظله بورقه العريض ويمنع عنه الذباب الذي يقال انه لا يقرب هذه الشجرة وكان هذا من تدبير الله ولطفه فلما استكمل عافيته ردع الله الى قومه الذين تركهم مغاضبا فآمنوا واستغفروا وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبين فآمنوا فمتعناهم الى حين وكانوا مائة ألف أو يزيدون"
إذا البحر فى كل القصص القرآنية عبد من عباد الله يطيع الله فإذا أمره الله أن يكون نعمة لعبد كان وإذا أمره أن يكون نقمة على عبد كان فهو جندى مأمور لا يعمل من نفسه كما يقول المنكرون لوجود الله فيقولون على ما يصنعه من مؤذيات أنه غضب الطبيعة بدلا من أن يقولوا غضب الله على عباده العصاة فى الليل والنهار
وتناول آية أخرى عن تحول ماء البحر لأقلام لكتابة كلمات وهى إرادات الله حيث قال :
"يقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))لقمان27
وقال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ))الكهف109
الله أكبر ما أعظم الله لو أن جميع ما في الأرض من شجر تحولت أقلام وجميع ما في الأرض من بحار تحولت إلى مداد وهذا البحر يمده سبعة أبحر وجلس الكتّاب يكتبون ويسجلون كلمات الله المتجددة الدالة على عظمته على علمه وقدرته ورحمته الدالة على مشيئته .... فماذا؟ لقد نفدت الأقلام ونفد المداد نفدت الأشجار ونفدت البحار الأقلام وانتهت وكلمات الله باقية لا تنفد ولا تأت لها نهاية لان علم الله لايحد ولان إرادته لا تكف ولان مشيئته سبحانه ماضية ليس لها حدود ولا قيود . وتتوارى الأشجار والبحار وتنزوي الأحياء والأشياء وتتوارى الأشكال والأحوال ويقف القلب البشري خاشعا أمام جلال الخالق الباقي الذي لا يتحول ولا يتبدل ولا يغيب . اسأل الله ان يغفر لنا ذنوبنا وان يستر عيوبنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم"
وتناول جرى السفن فى البحار وقدرة الله على ايقافها وتسييرها حيث قال :
"عباد الله انظروا وتأملوا إلى تلك السفن التي تبحر في ظهر هذا المخلوق العجيب من يسيرها من يقودها إنه الله جل وعلا القائل:
(( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ))الشورى33
السفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله هذا البحر من أنشاه ؟ من من البشر يدعي هذا الادعاء؟ هذه الريح من سيرها وسخرها الا الله
والسفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله . آية حاضرة مشهودة . آية تقوم على آيات كلها من صنع الله دون جدال . هذا البحر من أنشأه ؟ مَن مِن البشر أو غيرهم يدعي هذا الادعاء ؟ ومن أودعه خصائصه من كثافة وعمق وسعة حتى يحمل السفن الضخام ؟ وهذه السفن من أنشأ مادتها وأودعها خصائصها فجعلها تطفو على وجه الماء ؟ وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن التي كانت معلومة وقتها للمخاطبين وغير الريح من القوى التي سخرت للإنسان في هذا الزمان من بخار أو ذرة أو ما يشاء الله بعد الآن من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام ؟ . .
إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره . .
وإنها لتركد أحياناً فتهمد هذه الجواري وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة !
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . .
في إجرائهن وفي ركودهن على السواء آيات لكل صبار شكور . والصبر والشكر كثيراً ما يقترنان في القرآن . الصبر على الابتلاء والشكر على النعماء ؛ وهما قوام النفس المؤمنة في الضراء والسراء .
أو يوبقهن بما كسبوا . .
فيحطمهن أو يغرقهن بما كسب الناس من ذنب ومعصية ومخالفة عن الإيمان الذي تدين به الخلائق كلها ، فيما عدا بعض بني الإنسان !
ويعف عن كثير . . وكل رجفة في الفلك صغيراً كان أو كبيراً حتى عابرات المحيط الجبارة التي تبدو في بعض اللحظات كالريشة في مهب الريح في هذا البحر العظيم ولكن الانسان هو الانسان فما أن تنجلي المصيبة وتحس قدماه ثبات الارض من تحته حتى ينسى لحظات الشدة فينسى الله
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
……فلما وصلنا إلى الشاطئ نسيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
……وما سقطنا لان الحافظ الله"
وحكى الخطيب حكاية تدل على أن الخلق لا يقدرون على مواجهة غضب الله وأن لا منجى منه إلا هو حيث قال :
"قال رجل لأحد الصالحين أخبرني عن الله ؟ فقال ألم تركب البحر قال بلى ؟ قال هل حدث لك مرة أن حلت بكم عاصفة قال نعم ؟ قال:
وانقطعت الحيل عن الملاحين ووسائل النجاة قال نعم ؟
قال فهل خطر ببالك وظهر في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء قال نعم : قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شئ علما ))"
وقد فات الخطيب فى الخطبة قصص أخرى دالة على البحر كقصة اصحاب السبت وقصة سفينة المساكين فى قصة موسى(ص) والعبد الصالح(ص)