مراجعة لمقال ( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)
الكاتب هو عبد الله بن سليمان العبدالله ( ذوالمعالي ) وقد ابتدأ مقاله بالكلام عن اختلاف قدرات البشر حيث قال :
"إن من عظيم نِعَمِ الله على العباد وَهْبَهُ إياهم أموراً تُمَيِّزُ بعضَهم فيها عن بعض ، وقُدَرَاً متفاوتة مختلفة .
فليس البشر كلهم في القُدُرَات سواءً ، ولا هم _ أيضاً _ في المواهب على اتفاق ، بل أوْجَدَ الله فيهم اختلاف ذلك ، وتفاوته وعدم اتفاقه لِحِكَمٍ عُظمى قلَّ المُدْرِكُوْن لها .
ولذلك كانت هذه الكلمة تحمل في طيَّاتها أصلاً أصيلاً ، وقاعدةً متينةً وهي : ( معرفة المرء قُدَرَ نفسه ) ."
وحكاية اختلاف قدرات البشر ليست صحيحة فالبشر يولدون بنفس القدرات النفسية وأما القدرات الجسدية فعلى حسب خلقة الإنسان صحيح أو مضرور وهو صاحب الاعاقة أو المرض
كلنا نولد بنفس القدرات ولكن نتيجة التربية والظروف والإرادة نختلف في قدراتنا
ونقل عن ابن عاشور أنه قوله إنى حفيظ أمين دليل على طالب العارف لقدراته المنصب للقيام بمهامه ف حيث قال :
قال العلامة ابن عاشور: ( وهذه الآية أصلٌ لوجوب عرْضِ المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علِمَ أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة ) . التحرير والتنوير ( 7/9 )
ونقل عن غيره التالى :
ومعناها واردٌ عن السلف _ رضي الله عنهم _ ومن أحسن تلك الكلمات ما كتبه الإمام مالك بن أنس لأحد العباد _ لما كتب أحد العباد إليه ينكر عليه اشتغاله بالعلم، ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك -رحمه الله-: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فالإمام مالكٌ أشار هنا إشارة بليغة إلى هذه القاعدة الكبيرة ، فما أفقهه من إمام ، وما أبعد نظره .
وهذه القاعدة الكبرى مُرْتَكِزَةٌ على ركيزَتَيْن اثنتين :
الأولى : عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها .
حيث ترى _ وهوكثير _ مَنْ يُخادع نفسه ويُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها ولا قَرُبَتْ من أحوالهم .
الثانية : عدم إهانتها وإنزالها عن قدرها .
وهذه كسابقتها في الكثرة والانتشار ."
وما قاله مالك مختلف عما قاله ابن عاشور فمالك يتحدث عن أعمال البر وليس عن القدرة على تولى المناصب
بالطبع المتكلم هو رسول من رسل الله وهو يوسف(ص) وقد اختارهم للمنصب ألأعلى وهو الحكم بانزال الرسالة وهى الكتاب عليهم كما قال سبحانه :
"انَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"
ومن ثم ليست هذه قاعدة عامة لأن الرسل(ص) حالات خاصة غير الناس بدليل أن الله لم يعط الرسالة لمن طلبوها أو طلبتم لهم مثل من قالوا :
"وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"
ولو كان الأمر بالطلب ما حرم بنو إسرائيل منها عندما اعترضوا على اختيار طالوت كحاكم عليهم :
" أنى يكون الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "
وتكلم عن الحصول على القدرات حيث قال :
"وكما أن الناس متَّعَهم الله بقُدَرٍ فإنه مما لا شك أن لتحصيلها سُبُلاً وطُرُقَاً ، وجملة تلك طريقان :
الأولى : إدراك المرء ذلك من نفسه .
وذلك من خلال تجارُب وأحوال مرَّت به علَّمته أنه يملك قُدْرَةً على أمرْ دون غيره ، وقليل من يُدْرِكُ ذلك من تلقاء ذاته .
ولقد حَفَلت السيرة بشيء من ذلك ما يُذْكِرُ عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أنه قال : أنا من الراسخين في العلم . فابن عباس _ هنا _ أدرك من نفسه هذه القُدْرَة فنبَّه عليها ، وأفصح عن حقيقتها .
ومثله : ما يُذكرُ عن كثير من السلف _ صحابةً وتابعين وتابعيهم _ من إخبارهم غيرَهم عما يعلمونه دون غيرهم ."
وما قاله هنا هنا الوقوع في معصية تزكية النفس التى نهى الله عنها حيث قال :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "
وتناول معرفة الناس مقدار الإنسان حيث قال :
"الثانية : إدراك غيره منه .
الإنسان مَدَنِيٌ بطبعه ، مُنْجَذِبٌ إلى بني جنسه ، كثير المعاشرة لهم ؛ لذا فقد يطلع بعضٌ على أن فلاناً موهوب بموهبة كذا ؛ وهوجاهل بقُدْرَته هذه ، غافلاً عن تلك الموهبة .
ومن هذه ما حفَلَت به السيَر فمنها :
شأن أبي ذر _ رضي الله عنه _ فقد طلب من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يوليَه إمرةً فقال له ( صلى الله عليه وسلم ) : "إني أراك ضعيفا،ً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم"
فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أدرك من حال أبي ذر _ رضي الله عنه _ عدم أهليته للإمارة فنهاه ، وقد غابت هذه عنه وأدركها غيره .
ومِنْ ذلك ما يُذكر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي لما جاءه الأصمعي _ عبد الملك بن قريب طالباً علم العَرُوْض فلم يستطع فهمه ، فأنشد الخليل :
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع ."
بالطبع لو اتخذنا معرفة الناس كمقياس فإن المختارون سيكون ليس الأفضل وإنما أسوأ البشر فلو كان المر باختيار البشر لاختاروا الجبابرة حكاما عليهم وهو عادة الأقوام الذين رفضوا قيادة الرسل(ص) وانقاد أكثرهم للسادة والكبراء كما قال سبحانه على لسانهم :
"إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل"
وتتناول شروط اختيار صاحب المنصب حيث قال :
"وحيث عُرِفَ هذا فإن على الإنسان أن يعلم أن لهذه المعرفة لقُدُرَات النفس مجالان _ هما أهم ما يظهر في الساحة _ :
الأول : العلم .
مُفْرِحٌ أن نرى كثيراً من رجال الصحوة يعملون ويشتغلون في طلب العلم ، ولكن يُؤْسِفُ _ جداً _ أن ترى عدداً ليس بالقليل منهم ينفضُّ عن مجالس العلم تلك في فترة قصيرة وجيزة .
وحين بَحْثِ السبب في ذلك تلمح أنه الجهل بقُدْرَةِ الرجل وميوله واهتمامه .
فإن طلب العلم شأنُ مَنْ ليس له أي شأن إلا طلب العلم ؛ فهويحتاج إلى تفرُّغٍ ، وسهر ، وبحث ، وتحرير ، وحفظٍ ، … .
فكثير ممن سلك ذلك لم يَدُرْ في خاطره _ ولولمرَّةٍ _ تساؤلٌ :
هل هوممن يستطيع طلب العلم والتفرُّغ له ، وإعطاءه حقه ؟
الثاني : الدعوة .
إن الاهتمام بالدعوة شأن كثيرين من رجال الصحوة وشبابها ، وهذا مما يُبَشِّرُ بخير .
لكن يَرِدُ عليه ما وَرَدَ على المجال السابق ؛ وهو: أن بعض المشتغلين بالدعوة ممن دفعتهم عاطفتهم إلى العمل بها ، وهذا أمر لا يُراد ؛ إذ أمور الدعوة لابد لها من سلوك مسارات منضبطة ، ونظام مدروس .
أما أن تُسْلَك سُبُل الدعوة هكذا بلا قواعد تُدْرَسُ من خلالها ، فلا . وأما أن يسلك الدعوة من له قُدرة على تحمل أعبائها ومن ليس له قدرة ، فلا ، وليس من شأن الجادين .
هذان مجالان مهمان جاء الحديث عنهما لكونهما هما الظاهران في الساحة ، وفي صفِّ رجال الصحوة ، وفي سلك العمل الدعوي .
وإلا فهناك مجالات كثيرة تحتاج إلى أن نتحدَّث عنها في مثل هذا ."
بالطبع يخالف الشرط الثانى شرط الله في اختيار طالوت(ص) حيث اشترط في صاحب المنصب العلم والصحة وهى قوة الجسم وفى هذا قال سبحانه :
"وزاده بسطة في العلم والجسم"
وتناول أن المختار يكون متميزا بتنظيم العمل وحفظ الوقت للتنفيذ حيث وحفظ جهد غيره قال :
"وأخيراً : فإن لمعرفة المرء قُدَرَ نَفْسِه ، واكتشاف مواهبه ، فوائد نفيسة ؛ منها :
الأولى : تنظيم العمل الإسلامي .
فإذا عرف كلٌّ منَّا ما يحسنه ويتقنه من أعمال ، ومجالات ، انتظم العمل الإسلامي بعمومه ؛ العلمي ، والدعوي .
فمن عرف أهليته للعمل الدعوي ، وتوافرت لديه إمكانات وقُدَرُ الإبداع في المجال الدعوي سلكه وسار فيه .
ومن عرف من نفسه الإتقان في المجال العلمي انتهجه ولَزِمَه .
وبذلك ينتظم العمل الإسلامي في أحسن مساراته .
الثانية : حفظ الوقت .
وسرُّه أن كلاً سيعمل في حقله الذي مالت إليه نفسه ، ووثق في الإتقان فيه ، والإبداع في مجالاته .
وحفظ الوقت هنا نوعان :
الأول : حفظ وقت العمل الإسلامي .
فلا يضيع أكثر زمانه في أمور ليس منها نفع له .
وذلك : أنه لو أخذ كلٌّ منَّا مجاله الذي يتقنه لكان في ذلك إنجاز أهدافٍ كِثار كبارٍ في مشروع العمل الإسلامي .
لكن حين تقلب كثيرٍ من رجال الصحوة في مجالات عِدَّةٍ ، وتنقلاتهم فيما بين مجالات العمل الإسلامي تتأخر أهداف كان تحققها في وقت سبق ، أو ربما تتحق في وقتها لكن ليست بإتقان وإحكام ، وهذا مما لا يتمشى مع أهدافنا في العمل للإسلام والسعي نحونشره .
الثاني : حفظ وقت الشخص .
ففي سلوكه مجالاً ليس له أهلية السلوك فيه يُوْرِثُه الملل والسآمة ، ومن ثَمَّ الانقطاع عنه والبحث عن غيره .
فهذه الحالة أنتجت ضياع وقت كان من الممكن أن يُسْتَغلَّ _ لوعُرِفَت قُدْرَةُ النفس _ في غيره من الأعمال الأخرى .
وأعني بالأعمال : ما يحسنه الشخص ويرى أهليته له .
الثالثة : تقدير الجهود .
حيث كلٌّ على ثَغْرَةٍ من ثغور العمل الإسلامي ، وكله عمل خير .
فذوالعمل الدعوي يُقَدِّرُ جُهْدَ العامل في العمل العلمي ، وكذلك العكس .
وحين تتخلَّف المعرفة لِقُدَرِ النفس ومواهبها يكون النقد _ الهادم _ للجهود ، ويكون الانتصار للزيف الإنتاجي ؛ إذ يظن كل عامل أنه خير من صاحبه شأناً ، وأجل منه عملاً .
وهذا ما جلب لنا الخرقَ الكبير في صرح العمل الإسلامي . الرابعة : تغطية جوانب العمل الإسلامي .
ولعل هذه من أجلِّ فوائدها ، وأعظم ثمارها ؛ فهوما نطمح إليه في العمل للإسلام والسعي لنشره وتبليغه للناس في أقاصي الأرض .
فقد عَلِمَ كلٌ مشربه ، ولَزِمَ دَرْبَه .
فَيَجِدُّ العامل بإتقان عمله وتوسيع نطاقه ، وتكثير مَنْ يُعينه ممن ينهج نهجه في القُدَر والمواهب ."
بالطبع وضع الله شروطا في اختيار أهل المناصب وهى :
أولها أن يكون من أهل الجهاد وهو قتال الأعداء
ثانيها ان يكون من أهل الانفاق
"لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا"
ومن ثم هذا الشرطان معهم شرطا العلم والصحة الذى قاله في اختيار طالوت (ص)ملكا أى حاكما أى قائدا
الكاتب هو عبد الله بن سليمان العبدالله ( ذوالمعالي ) وقد ابتدأ مقاله بالكلام عن اختلاف قدرات البشر حيث قال :
"إن من عظيم نِعَمِ الله على العباد وَهْبَهُ إياهم أموراً تُمَيِّزُ بعضَهم فيها عن بعض ، وقُدَرَاً متفاوتة مختلفة .
فليس البشر كلهم في القُدُرَات سواءً ، ولا هم _ أيضاً _ في المواهب على اتفاق ، بل أوْجَدَ الله فيهم اختلاف ذلك ، وتفاوته وعدم اتفاقه لِحِكَمٍ عُظمى قلَّ المُدْرِكُوْن لها .
ولذلك كانت هذه الكلمة تحمل في طيَّاتها أصلاً أصيلاً ، وقاعدةً متينةً وهي : ( معرفة المرء قُدَرَ نفسه ) ."
وحكاية اختلاف قدرات البشر ليست صحيحة فالبشر يولدون بنفس القدرات النفسية وأما القدرات الجسدية فعلى حسب خلقة الإنسان صحيح أو مضرور وهو صاحب الاعاقة أو المرض
كلنا نولد بنفس القدرات ولكن نتيجة التربية والظروف والإرادة نختلف في قدراتنا
ونقل عن ابن عاشور أنه قوله إنى حفيظ أمين دليل على طالب العارف لقدراته المنصب للقيام بمهامه ف حيث قال :
قال العلامة ابن عاشور: ( وهذه الآية أصلٌ لوجوب عرْضِ المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علِمَ أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة ) . التحرير والتنوير ( 7/9 )
ونقل عن غيره التالى :
ومعناها واردٌ عن السلف _ رضي الله عنهم _ ومن أحسن تلك الكلمات ما كتبه الإمام مالك بن أنس لأحد العباد _ لما كتب أحد العباد إليه ينكر عليه اشتغاله بالعلم، ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك -رحمه الله-: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فالإمام مالكٌ أشار هنا إشارة بليغة إلى هذه القاعدة الكبيرة ، فما أفقهه من إمام ، وما أبعد نظره .
وهذه القاعدة الكبرى مُرْتَكِزَةٌ على ركيزَتَيْن اثنتين :
الأولى : عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها .
حيث ترى _ وهوكثير _ مَنْ يُخادع نفسه ويُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها ولا قَرُبَتْ من أحوالهم .
الثانية : عدم إهانتها وإنزالها عن قدرها .
وهذه كسابقتها في الكثرة والانتشار ."
وما قاله مالك مختلف عما قاله ابن عاشور فمالك يتحدث عن أعمال البر وليس عن القدرة على تولى المناصب
بالطبع المتكلم هو رسول من رسل الله وهو يوسف(ص) وقد اختارهم للمنصب ألأعلى وهو الحكم بانزال الرسالة وهى الكتاب عليهم كما قال سبحانه :
"انَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"
ومن ثم ليست هذه قاعدة عامة لأن الرسل(ص) حالات خاصة غير الناس بدليل أن الله لم يعط الرسالة لمن طلبوها أو طلبتم لهم مثل من قالوا :
"وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"
ولو كان الأمر بالطلب ما حرم بنو إسرائيل منها عندما اعترضوا على اختيار طالوت كحاكم عليهم :
" أنى يكون الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "
وتكلم عن الحصول على القدرات حيث قال :
"وكما أن الناس متَّعَهم الله بقُدَرٍ فإنه مما لا شك أن لتحصيلها سُبُلاً وطُرُقَاً ، وجملة تلك طريقان :
الأولى : إدراك المرء ذلك من نفسه .
وذلك من خلال تجارُب وأحوال مرَّت به علَّمته أنه يملك قُدْرَةً على أمرْ دون غيره ، وقليل من يُدْرِكُ ذلك من تلقاء ذاته .
ولقد حَفَلت السيرة بشيء من ذلك ما يُذْكِرُ عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أنه قال : أنا من الراسخين في العلم . فابن عباس _ هنا _ أدرك من نفسه هذه القُدْرَة فنبَّه عليها ، وأفصح عن حقيقتها .
ومثله : ما يُذكرُ عن كثير من السلف _ صحابةً وتابعين وتابعيهم _ من إخبارهم غيرَهم عما يعلمونه دون غيرهم ."
وما قاله هنا هنا الوقوع في معصية تزكية النفس التى نهى الله عنها حيث قال :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "
وتناول معرفة الناس مقدار الإنسان حيث قال :
"الثانية : إدراك غيره منه .
الإنسان مَدَنِيٌ بطبعه ، مُنْجَذِبٌ إلى بني جنسه ، كثير المعاشرة لهم ؛ لذا فقد يطلع بعضٌ على أن فلاناً موهوب بموهبة كذا ؛ وهوجاهل بقُدْرَته هذه ، غافلاً عن تلك الموهبة .
ومن هذه ما حفَلَت به السيَر فمنها :
شأن أبي ذر _ رضي الله عنه _ فقد طلب من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يوليَه إمرةً فقال له ( صلى الله عليه وسلم ) : "إني أراك ضعيفا،ً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم"
فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أدرك من حال أبي ذر _ رضي الله عنه _ عدم أهليته للإمارة فنهاه ، وقد غابت هذه عنه وأدركها غيره .
ومِنْ ذلك ما يُذكر عن الخليل بن أحمد الفراهيدي لما جاءه الأصمعي _ عبد الملك بن قريب طالباً علم العَرُوْض فلم يستطع فهمه ، فأنشد الخليل :
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع ."
بالطبع لو اتخذنا معرفة الناس كمقياس فإن المختارون سيكون ليس الأفضل وإنما أسوأ البشر فلو كان المر باختيار البشر لاختاروا الجبابرة حكاما عليهم وهو عادة الأقوام الذين رفضوا قيادة الرسل(ص) وانقاد أكثرهم للسادة والكبراء كما قال سبحانه على لسانهم :
"إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل"
وتتناول شروط اختيار صاحب المنصب حيث قال :
"وحيث عُرِفَ هذا فإن على الإنسان أن يعلم أن لهذه المعرفة لقُدُرَات النفس مجالان _ هما أهم ما يظهر في الساحة _ :
الأول : العلم .
مُفْرِحٌ أن نرى كثيراً من رجال الصحوة يعملون ويشتغلون في طلب العلم ، ولكن يُؤْسِفُ _ جداً _ أن ترى عدداً ليس بالقليل منهم ينفضُّ عن مجالس العلم تلك في فترة قصيرة وجيزة .
وحين بَحْثِ السبب في ذلك تلمح أنه الجهل بقُدْرَةِ الرجل وميوله واهتمامه .
فإن طلب العلم شأنُ مَنْ ليس له أي شأن إلا طلب العلم ؛ فهويحتاج إلى تفرُّغٍ ، وسهر ، وبحث ، وتحرير ، وحفظٍ ، … .
فكثير ممن سلك ذلك لم يَدُرْ في خاطره _ ولولمرَّةٍ _ تساؤلٌ :
هل هوممن يستطيع طلب العلم والتفرُّغ له ، وإعطاءه حقه ؟
الثاني : الدعوة .
إن الاهتمام بالدعوة شأن كثيرين من رجال الصحوة وشبابها ، وهذا مما يُبَشِّرُ بخير .
لكن يَرِدُ عليه ما وَرَدَ على المجال السابق ؛ وهو: أن بعض المشتغلين بالدعوة ممن دفعتهم عاطفتهم إلى العمل بها ، وهذا أمر لا يُراد ؛ إذ أمور الدعوة لابد لها من سلوك مسارات منضبطة ، ونظام مدروس .
أما أن تُسْلَك سُبُل الدعوة هكذا بلا قواعد تُدْرَسُ من خلالها ، فلا . وأما أن يسلك الدعوة من له قُدرة على تحمل أعبائها ومن ليس له قدرة ، فلا ، وليس من شأن الجادين .
هذان مجالان مهمان جاء الحديث عنهما لكونهما هما الظاهران في الساحة ، وفي صفِّ رجال الصحوة ، وفي سلك العمل الدعوي .
وإلا فهناك مجالات كثيرة تحتاج إلى أن نتحدَّث عنها في مثل هذا ."
بالطبع يخالف الشرط الثانى شرط الله في اختيار طالوت(ص) حيث اشترط في صاحب المنصب العلم والصحة وهى قوة الجسم وفى هذا قال سبحانه :
"وزاده بسطة في العلم والجسم"
وتناول أن المختار يكون متميزا بتنظيم العمل وحفظ الوقت للتنفيذ حيث وحفظ جهد غيره قال :
"وأخيراً : فإن لمعرفة المرء قُدَرَ نَفْسِه ، واكتشاف مواهبه ، فوائد نفيسة ؛ منها :
الأولى : تنظيم العمل الإسلامي .
فإذا عرف كلٌّ منَّا ما يحسنه ويتقنه من أعمال ، ومجالات ، انتظم العمل الإسلامي بعمومه ؛ العلمي ، والدعوي .
فمن عرف أهليته للعمل الدعوي ، وتوافرت لديه إمكانات وقُدَرُ الإبداع في المجال الدعوي سلكه وسار فيه .
ومن عرف من نفسه الإتقان في المجال العلمي انتهجه ولَزِمَه .
وبذلك ينتظم العمل الإسلامي في أحسن مساراته .
الثانية : حفظ الوقت .
وسرُّه أن كلاً سيعمل في حقله الذي مالت إليه نفسه ، ووثق في الإتقان فيه ، والإبداع في مجالاته .
وحفظ الوقت هنا نوعان :
الأول : حفظ وقت العمل الإسلامي .
فلا يضيع أكثر زمانه في أمور ليس منها نفع له .
وذلك : أنه لو أخذ كلٌّ منَّا مجاله الذي يتقنه لكان في ذلك إنجاز أهدافٍ كِثار كبارٍ في مشروع العمل الإسلامي .
لكن حين تقلب كثيرٍ من رجال الصحوة في مجالات عِدَّةٍ ، وتنقلاتهم فيما بين مجالات العمل الإسلامي تتأخر أهداف كان تحققها في وقت سبق ، أو ربما تتحق في وقتها لكن ليست بإتقان وإحكام ، وهذا مما لا يتمشى مع أهدافنا في العمل للإسلام والسعي نحونشره .
الثاني : حفظ وقت الشخص .
ففي سلوكه مجالاً ليس له أهلية السلوك فيه يُوْرِثُه الملل والسآمة ، ومن ثَمَّ الانقطاع عنه والبحث عن غيره .
فهذه الحالة أنتجت ضياع وقت كان من الممكن أن يُسْتَغلَّ _ لوعُرِفَت قُدْرَةُ النفس _ في غيره من الأعمال الأخرى .
وأعني بالأعمال : ما يحسنه الشخص ويرى أهليته له .
الثالثة : تقدير الجهود .
حيث كلٌّ على ثَغْرَةٍ من ثغور العمل الإسلامي ، وكله عمل خير .
فذوالعمل الدعوي يُقَدِّرُ جُهْدَ العامل في العمل العلمي ، وكذلك العكس .
وحين تتخلَّف المعرفة لِقُدَرِ النفس ومواهبها يكون النقد _ الهادم _ للجهود ، ويكون الانتصار للزيف الإنتاجي ؛ إذ يظن كل عامل أنه خير من صاحبه شأناً ، وأجل منه عملاً .
وهذا ما جلب لنا الخرقَ الكبير في صرح العمل الإسلامي . الرابعة : تغطية جوانب العمل الإسلامي .
ولعل هذه من أجلِّ فوائدها ، وأعظم ثمارها ؛ فهوما نطمح إليه في العمل للإسلام والسعي لنشره وتبليغه للناس في أقاصي الأرض .
فقد عَلِمَ كلٌ مشربه ، ولَزِمَ دَرْبَه .
فَيَجِدُّ العامل بإتقان عمله وتوسيع نطاقه ، وتكثير مَنْ يُعينه ممن ينهج نهجه في القُدَر والمواهب ."
بالطبع وضع الله شروطا في اختيار أهل المناصب وهى :
أولها أن يكون من أهل الجهاد وهو قتال الأعداء
ثانيها ان يكون من أهل الانفاق
"لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا"
ومن ثم هذا الشرطان معهم شرطا العلم والصحة الذى قاله في اختيار طالوت (ص)ملكا أى حاكما أى قائدا