إضاءة القمر في إنكار المنكر على العامي وأهل الذكر والأثر
الكاتب هو أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثرى وموضوع الكتاب هو إنكار المنكر على الناس وقد تناول الموضوع على ثلاثة محاور وهى :
"المحور الأول:
إن العلماء ورثة الأنبياء، كما جاء في الحديث: (وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) [أخرجه أحمد وغيره]
فعليهم ما على الأنبياء من البلاغ، قال الله تعالى:
(وما على الرسول إلا البلاغ المبين)
وقد أخذ الله على العلماء المواثيق والعهود أن يبينوا العلم للناس ولا يكتمونه، قال الله تعالى:
(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) "
والحديث المستدل به وهو أن الأنبياء(ص) لا يتركوا لورثتهم مال وهو ما يخالف وراثة يحيى(ص) لزكريا(ص) وغيره من أهله كما قال سبحانه :
" يرثنى ويرث من آل يعقوب"
وتناول الأثرى مهمة العلماء حيث قال:
"وقد قيض الله سبحانه في كل زمان من يذب عن شريعة الإسلام من أهل العلم العدول، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)
فلم يسكت كل العلماء عن هذا المنكر – لبس الصليب ولا عن غيره من المنكرات، ولكن سكت أكثرهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - كما كان الحال في زمن فتنة خلق القرآن، حيث سكت أكثر العلماء، وصدع إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل ومن معه، وفي فتنة الأشاعرة سكت أكثر العلماء وصدع شيخ الإسلام ابن تيمية ومن معه، وفي فتنة عبادة القبور سكت أكثر العلماء وصدع المجدد محمد بن عبد الوهاب ومن معه، وفي فتنة الحكم بغير ما أنزل الله سكت أكثر العلماء وصدع الشيخ أبو محمد المقدسي ومن معه"
وتناول الكاتب أن إنكار المنكر واجب على بعض المسلمين فقط حيث قال :
وإنكار المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، قال الله تعالى:
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) "
وهذا الكلام يدل على الفهم الخاطىء فإنكار المنكر يكون على من حضره أو على من علم به وهو أولا على جماعة الخير وهم جماعة مخصوصة تتواجد في الأماكن العامة ولكن التواجد في المكان العام الواسع قد يجعل المكلف هذا لا يرى المنكر ومن ثم إذا حدث المنكر في مكان عام فالواجب أولى على تلك الجماعة إنكاره وأما إذا لم تتواجد في مكان المنكر وجب على المسلمين في المكان إنكاره على الفور لأن الأمة كلها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما نقل الكاتب عن ابن العربى حيث قال:
"قال الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي:
في هذه الآية والتي بعدها وهي قوله سبحانه وتعالى:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس)
دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية. [أحكام القرآن لابن العربي 1/ 292] "
فهنا الأمة كلها وأما الآية الأخرى فهى تتحدث عن أمة بمعنى طائفة مخصوصة لقوله " أمة منكم"فلو أراد الأمة كلها لم يقل منكم
ومن ثم فهو واجب على تلك الأمة بمعنى الطائفة في أى مكان وأما غيرهم فهو واجب عليهم في حالة عدم تواجد أحد من تلك الجماعة في المكان
كما أن المنكر في داخل البيوت لا يرونه ومن يكون الإنكار من أهل البيت أنفسهم
وأكمل حيث قال :
"وقال الجصاص: قد حوت هذه الآية معنيين أحدهما: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخر: أنه فرض على الكفاية لقوله تعالى:
(ولتكن منكم أمة)
وحقيقته تقتضي البعض دون البعض، فدل على أنه فرض على الكفاية، إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين[أحكام القرآن للجصاص 2/ 29]
ويكفي السكوت عن المنكر قبحا أنه من أخلاق اليهود التي لعنوا بسببها، قال الله تعالى:
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)
وهذا اللعن ليس حكرا على اليهود فقط، بل لكل من لم يبين الحق، قال الله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)
وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: والله لولا آيتان في كتاب الله سبحانه ما حدثت عنه - يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا لولا قول الله
(إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) إلى آخر الآيتين. [أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني]"
إذا إنكار المنكر على من رأى أى حضر كما في القول من رأى
وتناول في المحور الثانى أن إنكار المنكر يكون على من علم بالحكم حيث قال :
"المحور الثاني:
يجوز لأي فرد من أفراد الأمة إن كان صاحب علم بالحكم الشرعي في المسألة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينقض ما خالف الدليل من أقوال العلماء.
قال الإمام النووي:
إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة؛ كالصلاة والصيام والزنى والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء. أهـ[شرح مسلم 2/ 23]
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
(ولتكن منكم أمة ... )
والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه. أهـ[تفسير القرآن العظيم 1/ 391]
فإن سكت العلماء تكلم غيرهم ممن يعلم حكم الله في المسألة، أخرج مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قال:
" أول من بدأ الخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد – الخدري -: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فلبسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) "
ففي هذا الأثر قام ذلك الرجل، وهو من أفراد الأمة فأنكر المنكر لما علمه، فقام أبو سعيد الخدري فزكا فعل ذلك الرجل [وأنظر كتاب"حكم تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية " للشيخ الفاضل عبد الاخر حماد الغنيمي حفظه الله]
وإن تكلم العلماء بالباطل فلأفراد الأمة رد كلامهم عليهم بالأدلة الشرعية، فأبو حنيفة يقول:
(لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه)
وأما الإمام مالك فهو القائل:
(إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
وأما الإمام الشافعي فقد قال:
(ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي)
وقال:
(كل ما قلت: وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ولا تقلدوني) رواه ابن أبي حاتم في: (آداب الشافعي: ص67) وانظر الحلية لأبي نعيم: (9/ 106 - 107) والفقيه والمتفقه للخطيب: (1/ 150)
وقال:
(أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد)
وقال العلامة سليمان بن عبد الله:
(بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه فبذلك أمرنا ربنا تبارك وسبحانه ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأجمع على ذلك العلماء قاطبة إلا جهال المقلدين وجفاتهم، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم .. قال تعالى:
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)
وقال تعالى:
(إن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلغ المبين)
فشهد سبحانه لمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بالهداية، وعند جفاة المقلدين أن من أطاعه صلى الله عليه وسلم ليس بمهتد إنما المهتدي من عصاه، وعدل عن أقواله ورغب عن سنته إلى مذهب أو شيخ ونحو ذلك، وقد وقع في هذا التقليد المحرم خلق كثير ممن يدعي العلم والمعرفة بالعلوم، ويصنف التصانيف في الحديث والسنن، ثم بعد ذلك تجده جامدا على أحد هذه المذاهب ويرى الخروج عنها من العظائم، وفي كلام أحمد:
(عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان).
وقال الإمام أحمد ابن حنبل: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث اخذوا)
(فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك لأي عظيم من الأمة، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر غيره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أن يقدم ويتبع ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورا له.
بل ذلك المخالف المغفور له. لا يكره أن يخالف أمره إذا ومتابعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه، كما أوصى الشافعي: إذا صح الحديث في خلاف قوله: (أن يتبع الحديث ويترك قوله وكان يقول: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطيء، وما ناظرت أحدا فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني. لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا ظهور نفوسهم والانتصار لها وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيرا أو كبيرا وينقادون لقوله ... ))
ولقد قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد:
" باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله ".
فمتى تبين للمسلم أن الدليل الشرعي مصادم لقول أحد العلماء فهو بأحد أمرين:
1 - إما أن يأخذ بقول العالم ويرد الدليل.
2 - وإما أن يأخذ بالدليل ويرد قول العالم.
ولم يبق اختيار ثالث!
نستنتج مما سبق من أقوال السلف أن للفرد المسلم رد قول العالم إن خالف الحق بضابطين:
1 - بلوغ الدليل الشرعي للفرد.
2 - فهم الدليل الشرعي ومعرفته.
فنحن نتواضع للخلق وللحق، لكن إن تعارض الخلق مع الحق، قدمنا التواضع للحق على الخلق."
ومما سبق نجد أى مسلم من الواجب عليه أن ينكر الفعل أو القول إذا كان يعلم أن محرم فعله والإنكار يكون على من فعل أو قال المنكر
وتناول في المحور الثالث صفات العلماء الربانيين حيث قال :
"المحور الثالث:
إن السؤال عن العلماء الموثوق بهم، يحتمل أحد معنيين:
إما أن السائل يسأل عن صفاتهم، وإما أنه يسأل عن أعيانهم، فإن كان يسأل عن صفاتهم، فما عليه إلا أن يتتبع صفات الأنبياء وأخلاقهم الظاهرة والباطنة، فعلى مثل صفاتهم ينبغي أن يكون العلماء فهم ورثتهم، وإن كان يسأل عن أعيانهم
وهذا هو الأقرب من مفهوم سؤال السائل فإن العلماء الربانيين في زماننا كثر ولله الحمد والمنة"
الكاتب هو أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثرى وموضوع الكتاب هو إنكار المنكر على الناس وقد تناول الموضوع على ثلاثة محاور وهى :
"المحور الأول:
إن العلماء ورثة الأنبياء، كما جاء في الحديث: (وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) [أخرجه أحمد وغيره]
فعليهم ما على الأنبياء من البلاغ، قال الله تعالى:
(وما على الرسول إلا البلاغ المبين)
وقد أخذ الله على العلماء المواثيق والعهود أن يبينوا العلم للناس ولا يكتمونه، قال الله تعالى:
(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) "
والحديث المستدل به وهو أن الأنبياء(ص) لا يتركوا لورثتهم مال وهو ما يخالف وراثة يحيى(ص) لزكريا(ص) وغيره من أهله كما قال سبحانه :
" يرثنى ويرث من آل يعقوب"
وتناول الأثرى مهمة العلماء حيث قال:
"وقد قيض الله سبحانه في كل زمان من يذب عن شريعة الإسلام من أهل العلم العدول، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)
فلم يسكت كل العلماء عن هذا المنكر – لبس الصليب ولا عن غيره من المنكرات، ولكن سكت أكثرهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - كما كان الحال في زمن فتنة خلق القرآن، حيث سكت أكثر العلماء، وصدع إمام أهل السنة أحمد ابن حنبل ومن معه، وفي فتنة الأشاعرة سكت أكثر العلماء وصدع شيخ الإسلام ابن تيمية ومن معه، وفي فتنة عبادة القبور سكت أكثر العلماء وصدع المجدد محمد بن عبد الوهاب ومن معه، وفي فتنة الحكم بغير ما أنزل الله سكت أكثر العلماء وصدع الشيخ أبو محمد المقدسي ومن معه"
وتناول الكاتب أن إنكار المنكر واجب على بعض المسلمين فقط حيث قال :
وإنكار المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، قال الله تعالى:
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) "
وهذا الكلام يدل على الفهم الخاطىء فإنكار المنكر يكون على من حضره أو على من علم به وهو أولا على جماعة الخير وهم جماعة مخصوصة تتواجد في الأماكن العامة ولكن التواجد في المكان العام الواسع قد يجعل المكلف هذا لا يرى المنكر ومن ثم إذا حدث المنكر في مكان عام فالواجب أولى على تلك الجماعة إنكاره وأما إذا لم تتواجد في مكان المنكر وجب على المسلمين في المكان إنكاره على الفور لأن الأمة كلها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما نقل الكاتب عن ابن العربى حيث قال:
"قال الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي:
في هذه الآية والتي بعدها وهي قوله سبحانه وتعالى:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس)
دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية. [أحكام القرآن لابن العربي 1/ 292] "
فهنا الأمة كلها وأما الآية الأخرى فهى تتحدث عن أمة بمعنى طائفة مخصوصة لقوله " أمة منكم"فلو أراد الأمة كلها لم يقل منكم
ومن ثم فهو واجب على تلك الأمة بمعنى الطائفة في أى مكان وأما غيرهم فهو واجب عليهم في حالة عدم تواجد أحد من تلك الجماعة في المكان
كما أن المنكر في داخل البيوت لا يرونه ومن يكون الإنكار من أهل البيت أنفسهم
وأكمل حيث قال :
"وقال الجصاص: قد حوت هذه الآية معنيين أحدهما: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخر: أنه فرض على الكفاية لقوله تعالى:
(ولتكن منكم أمة)
وحقيقته تقتضي البعض دون البعض، فدل على أنه فرض على الكفاية، إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين[أحكام القرآن للجصاص 2/ 29]
ويكفي السكوت عن المنكر قبحا أنه من أخلاق اليهود التي لعنوا بسببها، قال الله تعالى:
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)
وهذا اللعن ليس حكرا على اليهود فقط، بل لكل من لم يبين الحق، قال الله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)
وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: والله لولا آيتان في كتاب الله سبحانه ما حدثت عنه - يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا لولا قول الله
(إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) إلى آخر الآيتين. [أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني]"
إذا إنكار المنكر على من رأى أى حضر كما في القول من رأى
وتناول في المحور الثانى أن إنكار المنكر يكون على من علم بالحكم حيث قال :
"المحور الثاني:
يجوز لأي فرد من أفراد الأمة إن كان صاحب علم بالحكم الشرعي في المسألة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينقض ما خالف الدليل من أقوال العلماء.
قال الإمام النووي:
إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة؛ كالصلاة والصيام والزنى والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء. أهـ[شرح مسلم 2/ 23]
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
(ولتكن منكم أمة ... )
والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه. أهـ[تفسير القرآن العظيم 1/ 391]
فإن سكت العلماء تكلم غيرهم ممن يعلم حكم الله في المسألة، أخرج مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قال:
" أول من بدأ الخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد – الخدري -: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فلبسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) "
ففي هذا الأثر قام ذلك الرجل، وهو من أفراد الأمة فأنكر المنكر لما علمه، فقام أبو سعيد الخدري فزكا فعل ذلك الرجل [وأنظر كتاب"حكم تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية " للشيخ الفاضل عبد الاخر حماد الغنيمي حفظه الله]
وإن تكلم العلماء بالباطل فلأفراد الأمة رد كلامهم عليهم بالأدلة الشرعية، فأبو حنيفة يقول:
(لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه)
وأما الإمام مالك فهو القائل:
(إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).
وأما الإمام الشافعي فقد قال:
(ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي)
وقال:
(كل ما قلت: وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ولا تقلدوني) رواه ابن أبي حاتم في: (آداب الشافعي: ص67) وانظر الحلية لأبي نعيم: (9/ 106 - 107) والفقيه والمتفقه للخطيب: (1/ 150)
وقال:
(أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد)
وقال العلامة سليمان بن عبد الله:
(بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه فبذلك أمرنا ربنا تبارك وسبحانه ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأجمع على ذلك العلماء قاطبة إلا جهال المقلدين وجفاتهم، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم .. قال تعالى:
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)
وقال تعالى:
(إن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلغ المبين)
فشهد سبحانه لمن أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بالهداية، وعند جفاة المقلدين أن من أطاعه صلى الله عليه وسلم ليس بمهتد إنما المهتدي من عصاه، وعدل عن أقواله ورغب عن سنته إلى مذهب أو شيخ ونحو ذلك، وقد وقع في هذا التقليد المحرم خلق كثير ممن يدعي العلم والمعرفة بالعلوم، ويصنف التصانيف في الحديث والسنن، ثم بعد ذلك تجده جامدا على أحد هذه المذاهب ويرى الخروج عنها من العظائم، وفي كلام أحمد:
(عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان).
وقال الإمام أحمد ابن حنبل: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث اخذوا)
(فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك لأي عظيم من الأمة، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر غيره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أن يقدم ويتبع ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورا له.
بل ذلك المخالف المغفور له. لا يكره أن يخالف أمره إذا ومتابعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه، كما أوصى الشافعي: إذا صح الحديث في خلاف قوله: (أن يتبع الحديث ويترك قوله وكان يقول: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطيء، وما ناظرت أحدا فباليت أظهر الحق على لسانه أو على لساني. لأن تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله لا ظهور نفوسهم والانتصار لها وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيرا أو كبيرا وينقادون لقوله ... ))
ولقد قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد:
" باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله ".
فمتى تبين للمسلم أن الدليل الشرعي مصادم لقول أحد العلماء فهو بأحد أمرين:
1 - إما أن يأخذ بقول العالم ويرد الدليل.
2 - وإما أن يأخذ بالدليل ويرد قول العالم.
ولم يبق اختيار ثالث!
نستنتج مما سبق من أقوال السلف أن للفرد المسلم رد قول العالم إن خالف الحق بضابطين:
1 - بلوغ الدليل الشرعي للفرد.
2 - فهم الدليل الشرعي ومعرفته.
فنحن نتواضع للخلق وللحق، لكن إن تعارض الخلق مع الحق، قدمنا التواضع للحق على الخلق."
ومما سبق نجد أى مسلم من الواجب عليه أن ينكر الفعل أو القول إذا كان يعلم أن محرم فعله والإنكار يكون على من فعل أو قال المنكر
وتناول في المحور الثالث صفات العلماء الربانيين حيث قال :
"المحور الثالث:
إن السؤال عن العلماء الموثوق بهم، يحتمل أحد معنيين:
إما أن السائل يسأل عن صفاتهم، وإما أنه يسأل عن أعيانهم، فإن كان يسأل عن صفاتهم، فما عليه إلا أن يتتبع صفات الأنبياء وأخلاقهم الظاهرة والباطنة، فعلى مثل صفاتهم ينبغي أن يكون العلماء فهم ورثتهم، وإن كان يسأل عن أعيانهم
وهذا هو الأقرب من مفهوم سؤال السائل فإن العلماء الربانيين في زماننا كثر ولله الحمد والمنة"